إبراز طاقة العلماء وتعويد الأمة على الصبر والاعتماد على الذات:
لقد كانت الأمة في حياة الرسول والأئمة من بعده تأخذ أحكامها الشرعية وتعاليمها الإسلامية مباشرة من المعصوم ولم تكن هناك حركة علمية أو اجتهادية كبيرة بالشكل الذي حصل في عصور الغيبة للإمام المهدي (ع)، حيث أصبح على العلماء أن يُعملوا الفكر ويجتهدوا ويعتمدوا على أنفسهم في استخراج واستنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم والسنة المطهرة، مما أثرى الحياة الفكرية والعلمية في الأمة وأبرز الطاقات الكامنة فيها.
فإذا لاحظنا على سبيل المثال فترة الغيبة الصغرى وما بعدها بقليل نجد أنها تعج بكثير من العلماء العظام الذين برزوا في تلك الفترة من أمثال الشيخ الكليني والشيخ المفيد والشيخ الصدوق والشريف المرتضى والشيخ الطوسي وغيرهم.
وفي العصر الحديث نلاحظ كيف تطور الفكر الإسلامي بشكل كبير، وخصوصاً في المجال الفقهي حيث برزت لنا العديد من المسائل الحديثة في فقه الفضاء وأحكام الاستنساخ والمعاملات البنكية وغير ذلك من المعاملات والقضايا المستحدثة.
ومما يحضرني هنا في هذا المجال هو الموسوعة الفقهية الكبرى لآية الله العظمى المرحوم السيد محمد مهدي الشيرازي (قدس) والتي تربو على مائة وخمسين مجلدا في شتى أبواب الفقه والمعاملات والأحكام الشرعية.
كما كان لغيبة الإمام المهدي (ع) أيضاً أكبر الأثر في تعويد المؤمنين على الصبر وحثهم على عمل الخير والصالحات لأجل التمهيد لظهوره عليه السلام، ولذلك جاء مدحهم من قبل الرسول والأئمة عليهم السلام في كثير من الروايات التي تحدثت عن المؤمنين في عصر الغيبة وصبرهم على البلاء ومحنة فقدهم للإمام
فمن ذلك ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله في حديث طويل يذكر فيه القائم (ع) حيث قال: ( طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجتهم، أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: ) هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ( ( 51 ) ) (52).
وعن الحسين بن علي (ع) بشأن غيبة الإمام المهدي (ع) قال: (... له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت فيها على الدين آخرون فيؤذون ويقال لهم ) متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله )( 53).
وعن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين (ع) قال: ( يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته والقائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (ص) بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً ) (54).
الهوامش
51- سورة البقرة ( 2- 3 ).
52- ينابيع المودة ج 3 ص 285، كفاية الأثر ص 56، إثبات الهداة ج 1 ص 577.
53- إلزام الناصب ج 1 ص 195، الصراط المستقيم ج 2 ص 111، كفاية الأثر ص 231.
54- كمال الدين ص 319، إعلام الورى ص 384، الإحتجاج ج 2 ص 317.