إدارة الإمام المهدي ( ع) للبشرية والأمة الإسلامية من الخفاء:
المقصود من الخفاء هنا أنه عليه السلام يقوم ببعض أعماله بصفة أنه شخص عادي من المجتمع، فحيث أن الإمام المهدي (ع) موجود بين الناس ويلتقي بهم ويساعدهم ويصلح شئونهم وهم لا يعرفونه، فهو إذاً لا يعيش مكتوف الأيدي بل يقوم بمهامه الموكلة إليه في زمن الغيبة ويدير الأمة في صراعها ضد قوى الشر.
ويذكر السيد محمد صادق الصدر (قدس) في كتابه ( تاريخ الغيبة الكبرى ) بعض من مهام الإمام المهدي (ع) في حال الغيبة وهي كالتالي (43):
القيام بواجب الدعوة الإسلامية وهداية الناس للإسلام والعقيدة الصحيحة.
الدفاع عن الإسلام وعن قواعده الشعبية ومواليه ضد الأعداء.
الحفاظ على المجتمع المسلم ضد الانحراف ومحاربة الفساد والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قدر المستطاع.
إغاثة الملهوف وإعانة المضطر والمشاركة الفعالة في الأعمال الخيرية أو أية اطروحات فكرية تصب في صالح المجتمعات الإيمانية.
قيادة الأمة الإسلامية جمعاء وإدارة البشرية وولاية الكون أيضاً ( وهذا ما يسمى بالولاية التكوينية ) (44).
حيث أن للإمام المهدي (ع) ولاية عامة على الناس والكون أيضاً كما كان ذلك للأنبياء والأئمة عليهم السلام من قبل، فنحن نرى أن الحديد كان ليناً بيد نبي الله داوود (ع) والجبال والطير كانت تسبح معه كما قال تعالى: ) وسخرنا مع داوود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ( (45) والريح كانت تجري للنبي سليمان (ع) بأمره غدوها شهر ورواحها شهر كما قال تعالى: ) ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر ( (46) وانشقاق القمر للنبي محمد ، وشهادة الحجر الأسود للإمام علي بن الحسين (ع) بالإمامة، ….. وغير ذلك من الأمور.
كما أن للإمام المهدي (ع) ولاية مطلقة على هذه الأمة، فكما كان للنبي الولاية المطلقة على المسلمين وكذلك كان ذلك للإمام علي والأئمة من بعده عليهم السلام وذلك في قوله تعالى: ) إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ( (47)، فكذلك تكون الولاية مطلقة للإمام المهدي (ع).
فمن المعروف أن هذه الآية نزلت في الإمام علي (ع) وذلك حينما تصدق بالخاتم وهو راكع في الصلاة، ونلاحظ هنا أن هذه الآية جاءت بصيغة الجمع مع أن الإمام علي(ع) كان شخص واحد فقط ….. !
حيث يقول بعض المفسرين إنما جاءت الآية بصيغة الجمع لوجود باقي الأئمة الإثني عشر في صلب الإمام علي (ع) فكانت لهم الولاية جميعا.
وبالتالي فهذه الولاية المطلقة أو العامة للإمام المهدي (ع) لا تسقط بغيبته كما يتوهم البعض، ويقول الشهيد مرتضى المطهري (رح) في كتابه ( الإمامة ) بهذا الشأن أن للإمامة مراتب ثلاثة وهي (48):
الإمامة بمعنى المرجعية الدينية.
الإمامة بمعنى قيادة المجتمع ( الرئاسة أو السلطة ).
الإمامة بمعنى الولاية العامة ( ولهذه مراتب أيضاً ).
وأدنى مرتبة من مراتب الولاية العامة هذه - وهو ما يعتقده غالبية الشيعة الإمامية - أن الإمام عليه السلام هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وله السلطة المطلقة عليهم كما كان ذلك لرسول الله حيث يقول الله تعالى في كتابه ) النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ( (49).
ومن بعد النبي صلى الله عليه وآله كان ذلك للإمام علي والأئمة الهداة من ولده عليهم السلام، حيث قال الرسول محمد للمسلمين يوم غدير خم وهو آخذ بيد علي (ع): ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقالوا: اللهم بلى، قال: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ) (50).
الهوامش
43- تاريخ الغيبة الكبرى ص 45.
44- هذه النقطة لم يذكرها السيد الصدر في كتابه.
45- سورة الأنبياء ( 79 ).
46- سورة سبأ ( 12 ).
47- سورة المائدة ( 55 ).
48- الإمامة للشهيد مرتضى المطهري ص ( 43– 53 ).
49- سورة الأحزاب ( 6 ).
50- معاني الأخبار للصدوق ص 67، مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 119، دلائل الإمامة ص 18.