العراق قبل ظهور الامام المهدي الموعود
الأحاديث الواردة حول أحداث العراق وأوضاعه في عصر الظهور كثيرة ، يظهر منها أن العراق يكون ساحة صراع لاتهدأ بين قوى متعددة ، وماهودور شيعة العراق بالخصوص ، والعراق والعراقيين بالعموم متصلا من الظهور المقدس وحتى قيام الامام الحجة ع .فا العراق ربما تمر عليه أربعة عهود أو فترات:
الفترة الأولى: فترة تسلط الجبابرة على العراق مدة طويلة قبل ظهور المهدي عليه السلام ، وشمول أهله قتل ذريع وخوف لا يقر لهم معه قرار . ربما يكون بسبب ضعف نظام الحكم في العراق أو انشغاله بصراعات داخلية وفتن أو مشغول بالمحاصصة والترضية والتسوية بين الأطراف السياسية نتيجة المصالح والأهواء الشخصية أو ربما يكون هناك ممهدين عاملين في الحكومة العراقية والنظام السياسي فيها . وذلك لوجود خط البترية داخل الصفوف الشيعية فيكون ممهد للسفياني من حيث لا يشعر أي ( يحسبون انهم يحسنون صنعا ) ويمكن ان اوجز ذلك على شكل نقاط بعد ذلك نذكر الأحاديث :فا بسبب ضعف نظام الحكم في العراق أو انشغاله بصراعات داخلية وفتن وكذالك انشغاله بمؤتمرات داخلية أو خارجية لإرضاء الأطراف الخارجية والداخلية.و وجود ممهدين سلبيين للخط السفياني داخل الحكومة العراقية وإتّباع أسلوب معاوية وعمر بن العاص في الحكم من الخداع والغش.وكذالك وجود الخط البتري داخل الصف الشيعي السياسي وبعض العوام . ربما إعلان الأكراد دولتهم وحدوث مشاكل بينهم وبين الحكومة المركزية.او إعلان بعض الأقاليم الممهدة لدخول السفياني وخصوصاً إقليم الرماديوالاهم ربما وجود صراعات وفتن دينية داخل الصف الشيعي . إتخاذ قادة لبعض التيارات الدينية التي تملك السلاح والقوه العزلة والنأي بنفسها عن الأحداث تحسباً لظهور السفياني وإعدادا لظهور الإمام روحي فداه . وقد تكون هذه القراءات خاطئة فيما بعد وربما تكون لعدم وجود الوعي العقائدي الكافي لديهم .و غياب بعض القادة أصحاب القوة والنفوذ في الوسط الشيعي إما بموت أو قتل (اغتيالهم) . القراءة الخاطئة للأحداث التي تجري في المنطقة من قبل القادة السياسيين أو ممن يمثلون الواجهة الشيعية في العراق .- مساندة الدول الغربية ووجود خطة غربيه للاتفاق مع السفياني للدخول للعراق مرة ثانية وقلب نظام الحكم فيه - وربما مجيء رئيس وزراء علماني أو بتري أو من الخط المخالف نتيجة الانتخابات ويعقد صفقه مع السفياني فيمهد له الدخول للعراق . اجتماع كل هذه النقاط أو بعضها يمكن للسفياني الدخول إلى العراق . اخواني ذكرة كثير من الروايات ان العراق قبيل الظهور يكون محكوم بآخر مصاديق بني العباس كما في الرواية التالية :
( أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا أبوعبدالله يحيى بن زكريا ابن شيبان قال: حدثنا أبوسليمان يوسف بن كليب، قال: حدثنا الحسن بن علي ابن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة، عن أبى بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنه سمعه يقول: " لابد أن يملك بنو العباس، فإذا ملكوا واختلفوا وتشتت أمرهم خرج عليهم الخراساني والسفياني هذا من المشرق، وهذا من المغرب يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ، هذا من ههنا وهذا من ههنا حتى يكون هلاكهم على أيديهما، أما إنهما لا يبقون منهم أحدا أبدا " . ) هذه يمكن الاستفادة منها كقرينة مهمة على ضعف شيعة العراق ( كقوة وليس عدد ) لتحكم الظالمين عليه واخرهم مصداق بني العباس اخر الزمان وقبيل الظهور*( فضلا عمّن سبقهم من حكومات الظالمين والتسلط والقهر )
الفترة الثانية: صراع النفوذ فيه بين اتجاه أتباع أهل البيت عليهم السلام ، والإتجاه المؤيد للسفياني حاكم بلاد الشام . كا المناطق السنية من العراق ( مناطق وسط العراق الى شمال العراق حيث الاكراد ) ، هناك رواية عوف السلمي بخصوصها ، كما يلي :
اوردهاالشيخ الطوسي بشكل مرسل وعلى فرض صحة المتن : عن حذلم بن بشير، عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال: قلت لزين العابدين عليه السلام: صف لي خروج المهدي وعرّفني دلائله وعلاماته؟.
فقال: يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له: عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكريت، وقتله بمسجد دمشق، ثم يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند، ثم يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك.) يظهر ان هناك حركة تمرد في مناطق السنة في العراق وهذا يعني ان حكومة بني العباس ضعيفة السيطرة عسكريا وسياسيا على هذه المناطق واما الاكراد فليس حالهم باحسن ، وتمردهم وانفصال علاقتهم بالحكومة وارد ومنطقي ( كما سيتبين لاحقا ) اخواني ومن هنا يتضح لنا حال شيعة العراق بالعموم هو ضعيف ، بسبب حكم الظالمين عليه ، والعراق بشكل عام بجميع مكوناته العقائدية / الطائفية والقومية ضعيف ، متناحر .(( وهذا لعله احد الاسباب لعدم وجود راية خاصة في عصر الظهور مذكورة لشيعة العراق )) اذا كان هذا العراق في ارهاصاته الاخيرة قبل اعلان الظهور ، وهذه حال شيعة العراق من الضعف والتشتت ،*نأتي الى حيثية اخرى متعلقها التوجيهات المعصومة لشيعتهم وخاصة شيعة العراق في هذه الفترة ،
الفترة الثالثة: احتلال السفياني العراق وتنكيله بأهله ، ثم دخول جيش الإمام المهدي عليه السلام ، وهزيمته جيش السفياني وطرده من العراق . بخصوص وقت خروج السفياني فان الروايات توجه شيعتهم وخاصة الرجال منهم الى تلافي المواجهة مع جيش السفياني الداخل الى العراق وهذا نتحصله من الرواية التالية ففي مخطوطة بن حماد : ص 82 : ( وتقبل خيل السفياني كالليل والسيل فلا تمر بشيء إلاّ أهلكته وهدمته . حتى يدخلون الكوفة فيقتلون شيعة آل محمد ثم يطلبون أهل خراسان في كل وجه فيخرج أهل خراسان في طلب المهدي فيدعون له وينصرونه ). فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( ويبعث مائة وثلاثين الفاً إلى الكوفة وينزل الروحاء والفاروق فيسير منها ستون الفاً حتى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود(ع) بالنخيلة ) البحار 52/273. وساتكلم عنها في موضوع مستقل .وكما ذكرت بعض الأحاديث دخول السفياني الزوراء ( أي بغداد) والأنبار والصراة والفاروق والروحاء .ففي لوائح الأنوار البهية للسفارتين الحنبلي ( يقاتل الترك فيظهر عليهم ثم يفسد في الأرض ويدخل الزوراء فيقتل أهلها ) .ساتكلم عنها في موضوع مستقل ففي كتاب الفتن عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله قال : (إذا عبر السفياني الفرات وبلغ موضعاً يقال له عاقرقوفا محا الله تعالى الإيمان من قلبه ( أقول ان كان في قلبه إيمان ) فيقتل بها إلى نهر يقال له : الدجيل سبعين الفاً متقلدين سيوفاً محلاة ، وما سواهم اكثر فيظهرون على بيت الذهب فيقتلون المقاتلة والأبطال ، ويبقرون بطون النساء يقولون : لعلها حبلى بغلام ..). وفي كتاب الزام الناصب نقلاً عن الصادق عليه السلام قال
… فيخرج رجل من ولد صخر فيبدل الرايات السود بالحمر فيبيح المحرمات ، ويترك النساء بالثدايا معلقات وهو صاحب نهب الكوفة ، فرب بيضاء الساق مكشوفة على الطريق مردوفه بها الخير محفوفه قتل زوجها وكثر عجزها واستحل فرجها ) الزام الناصب : 157-158.
ا وجاء في كتاب معاني الأخبار عن عقد الدرر عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال (.. ويبعث جيشه إلى الزوراء مائة وثلاثين الفاً ويقتل على جسرها إلى مدة ثلاثة أيام سبعين الف نفس ويفتضضن اثنتي عشر الف بكر وترى ماء الدجلة محمراً من الدم ومن نتن الأجساد .) وكذلك جاء هذا الحديث في الزام الناصب :67
ونكتفي بهذا القدر من الأحاديث . اما عن كيفية التعامل مع غزوا السفياني للعراق فقد اخبرنا الائمه عليهم السلام وكما جاء في الروايات التاليه ..اتقوا الله واستعينوا على ما أنتم عليه بالورع ، والاجتهاد في طاعة الله ، وإن أشد ما يكون أحدكم اغتباطا بما هو فيه من الدين لو قد صار في حد الآخرة ، وانقطعت الدنيا عليه فإذا صار في ذلك الحد عرف أنه قد استقبل النعيم والكرامة من الله ، والبشرى بالجنة ، وأمن ممن كان يخاف ، وأيقن أن الذي كان عليه هو الحق وأن من خالف دينه على باطل ، وأنه هالك . فأبشروا ثم أبشروا ! ما الذي تريدون ؟ ألستم ترون أعداءكم يقتلون في معاصي الله ، ويقتل بعضهم بعضا على الدنيا دونكم ، وأنتم في بيوتكم آمنين في عزلة عنهم ، وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوكم ، وهو من العلامات لكم ، مع أنّ الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم منه بأس حتى يقتل خلقا كثيراً دونكم فقال له بعض أصحابه : فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك ؟
قال عليه السلام : يتغيب الرجال منكم عنه ؛ فان خيفته وشرته فإنّما هي على شيعتنا ، فأما النساء فليس عليهن بأس إنشاء الله تعالى .
قيل : إلى أين يخرج الرجال ويهربون منه ؟!.
فقال عليه السلام من أراد أن يخرج منهم إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان ثم قال : ما تصنعون بالمدينة وإنما يقصد جيش الفاسق إليها ، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم*وإنّما فتنته حمل امرأة تسعة أشهر ولا يجوزها إنشاء الله.
رواية مهمة كثيرا وهي من اهم روايات التوجيهات الخاصة لشيعتهم ( وهناك غيرها تؤكد بعض مضامين هذه الرواية وخاصة التوجه الى مكة ) ، وفيها يتبين امرين نستفاد منهما كقرينة مهمة تؤثر على شيعة العراق ودورهم في مرحلة الظهور :
تغييب الرجال وجوهها عن جيش السفياني الغازي للعراق وللمناطق الشيعية خاصة ، وبعد ان علمنا بالعموم ضعف شيعة العراق قبيل الظهور وحكومة الظالمين عليه ،،، فلعل الرواية ناظرة الى هذا الامر وتريد توفير الرجال لما بعد القيام واستحقاقاته الكبيرة والمهمة في الفتح الاقليمي والعالمي حتى يتم النصر الموعود . ان الرواية توجه الشيعة الى الذهاب الى بعض البلدان الآمنة ، وبنفس الوقت تحث الشيعة في التوجه الى مكة ( والمدينة ) حيث تعد لامر القيام القادم قريبا بعد خروج السفياني . وهذا بدوره سيكون مهم التأثير في موقف وعمل وحراك شيعة العراق وخاصتا بعد دخول الإمام المهدي عليه السلام العراق وتطهيره من مؤيدي السفياني وفئات الخوارج ، واتخاذه مقراً له عليه السلام وعاصمةً لدولته .وقد وردت روايات عن أحداث فيه خلال هذه المراحل الأربع مثل: خروج الشيصباني المعادي للإمام المهدي عليه السلام قبل السفياني، وشهادة نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وخروج عوف السلمي من الجزيرة أو تكريت، ومنع أهل العراق من الحج ثلاث سنين ، وخسف البصرة وخرابها قبيل ظهور المهدي عليه السلام ، وخسف في بغداد والحلة . ودخول قوات مغربية أو غربية إلى العراق . وخروج أحد الصالحين في مجموعة قليلة لمقاومة جيش السفياني. وخروج عدة فئات من الخوارج على المهدي عليه السلام من الشيعة والسنة . وآخر فئة منهم خوارج (رميلة الدسكرة) الواقعة قرب شهربان في محافظة ديالى . اخواني بعد اعلان الظهور سيكون العراق الهدف الرئيسي لجميع الرايات المتصارعة في منطقة الظهور ، وستكون الكوفة هي في قلب الحدث والهدف ، اي ان مناطق الشيعة ومركزهم الرئيسي سيكون قلب منطقة صراع ملحمة الظهور ،،، ولقد علمنا من قبل ضعف شيعة العراق عموما هذا بالعموم وبالتفصيل مع التوضيح حال العراق ، وحال شيعة العراق وقت الظهور المبارك ، ولذلك نظن لم تذكر راية خاصة رئيسية في تلك الفترة مختصة بشيعة العراق ( ولكن لا يعني ليس لهم دور ! ) الذي سيكون هدفا لغزوه من قبل جيش السفياني ومن ثم قدوم رايتي الخرساني واليماني وقتالهما مع السفياني وطرده مندحرا خارج العراق . اخواني نعود الى صلب الموضوع وأبرز ما في أحاديثها شدة البلاء على أهل العراق من حكامه الجبابرة ، واختلاف هؤلاء الحكام مع أصحاب الرايات السود الإيرانيين .
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري عليهم السلام قال: ( يوشك أهل العراق أن لايجبى إليهم قفيز ولادرهم . قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك) (البحار:51/92 ).
والقفيز كيل للغلات ، والمعنى أنه لا يكاد يصل إليهم مواد تموينية أو مساعدات مالية ، بسبب الإيرانيين وحربهم معهم .
وقد تكون هذه الأزمة هي الجوع والخوف الموعود الذي وردت فيه رواية عن جابر الجعفي قال: (سألت أبا جعفر محمد بن علي عليه السلام (أي الإمام الباقر) عن قول الله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَئٍْ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ، فقال: يا جابر ذلك خاص وعام. فأما الخاص من الجوع فبالكوفة يخص الله به أعداء آل محمد فيهلكهم . وأما العالم فبالشام يصيبهم خوف وجوع ما أصابهم قط. أما الجوع فقبل قيام القائم. وأما الخوف فبعد قيام القائم). البحار:52/229 .
ولا أجد وجهاً لأن يكون الجوع خاصاً بأعداء أهل البيت عليهم السلام إلا أن يكون أزمة اقتصادية تعاني منها حكومة الجبابرة في العراق .وهذا الخوف المذكور في بلاد الشام بعد ظهور المهدي عليه السلام ،لاينفي وجوده قبل ظهوره ، وقد نصت الرواية التالية على أنه يكون شديداً في العراق قبل الظهور ، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يزجر الناس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر لهم في السماء ، وحمرة تجلل السماء ، وخسف ببغداد، وخسف ببلدة البصرة، ودماء تسفك بها ، وخراب دورها ، وفناء يقع في أهلها . وشمول أهل العراق خوف لا يكون معه قرار) (البحار:52/221) ، وليس من الضروري أن تكون هذه العلامات متسلسلة حسب ما وردت في الرواية ، بل قد يكون الخوف والخسف قبل الآيات السماوية .والظاهر أن نار السماء وحمرتها آية ربانية وليست نار انفجارات مثلاً .وتذكر الرواية التالية عن أمير المؤمنين عليه السلام عدة أحداث في العراق في مرحلة حكم الجبابرة قبل السفياني وظهور المهدي عليه السلام .فعن أنس بن مالك قال: ( لما رجع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من قتال أهل النهروان نزل براثا وكان بها راهب في قلايته وكان اسمه الحباب فلما سمع الراهب الصيحة والعسكر أشرف من قلايته إلى الأرض فنظر إلى عسكر أمير المؤمنين فاستفظع ذلك ونزل مبادراً فقال: من هذا ، ومن رئيس هذا العسكر؟ فقيل له: هذا أمير المؤمنين وقد رجع من قتال أهل النهروان . فجاء الحباب مبادراً يتخطى الناس حتى وقف على أمير المؤمنين فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين حقاً حقاً . فقال له: وما علمك بأني أمير المؤمنين حقاً حقاً ؟ قال له: بذلك أخبرنا علماؤنا وأحبارنا . فقال له: يا حباب ! فقال الراهب: وما علمك باسمي؟! فقال: أعلمني بذلك حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال له الحباب: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأنك علي بن أبي طالب وصيه . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام وأين تأوي ؟ فقال: أكون في قلاية لي هاهنا . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : بعد يومك هذا لا تسكن فيها ، ولكن ابن هاهنا مسجداً وسمه باسم بانيه (فبناه رجل اسمه براثا فسمي المسجد ببراثا باسم الباني له) ثم قال: ومن أين تشرب يا حباب؟ فقال: يا أمير المؤمنين من دجلة هاهنا . قال: فلم لا تحفر عيناً أو بئراً ؟ فقال له: يا أمير المؤمنين كلما حفرنا بئراً وجدناها مالحة غير عذبة . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : إحفر هاهنا بئراً فحفر فخرجت عليهم صخرة لم يستطيعوا قلعها ، فقلعها أمير المؤمنين عليه السلام فانقلعت عن عين أحلى من الشهد ، وألذ من الزبد . فقال له: يا حباب يكون شربك من هذه العين . أما إنه يا حباب ستبنى إلى جنب مسجدك هذا مدينة وتكثر الجبابرة فيها ، ويعظم البلاء ، حتى أنه ليركب فيها كل ليلة جمعة سبعون ألف فرج حرام ، فإذا عظم بلاؤهم شدوا على مسجدك بفطوة ثم- وابنه بنين ثم وابنه لايهدمه إلا كافر ثم بيتاً- فإذا فعلوا ذلك منعوا الحج ثلاث سنين ، واحترقت خضرهم وسلط الله عليهم رجلاً من أهل السفح لا يدخل بلداً إلا أهلكه وأهلك أهله ، ثم ليعد عليهم مرة أخرى ، ثم يأخذهم القحط والغلا ثلاث سنين حتى يبلغ بهم الجهد ، ثم يعود عليهم، ثم يدخل البصرة فلا يدع فيها قائمة إلا سخطها وأهلكها وأسخط أهلها . وذلك إذا عمرت الخربة وبني فيها مسجد جامع ، فعند ذلك هلاك البصرة ، ثم يدخل مدينة بناها الحجاج يقال لها واسط ، فيفعل مثل ذلك ، ويتوجه نحو بغداد فيدخلها عفواً ، ثم يلتجئ الناس إلى الكوفة . ولا يكون بلد من الكوفة تشوش الأمر له . ثم يحرج هو والذي أدخله بغداد نحو قبري لينبشه فيتلقاهما السفياني فيهزمهما ثم يقتلهما ، ويوجه جيشاً نحو الكوفة فيستعبد بعض أهلها . ويجئ رجل من أهل الكوفة فيلجؤهم إلى سور فمن لجأ إليها أمن . ويدخل جيش السفياني إلى الكوفة فلا يدعون أحداً إلا قتلوه ، وإن الرجل منهم ليمر بالدرة المطروحة العظيمة فلا يتعرض لها ، ويرى الصبي الصغير فيلحقه فيقتله .فعند ذلك يا حباب يتوقع بعدها هيهات هيهات وأمور عظام، وفتن كقطع الليل المظلم. فاحفظ عني ما أقول لك يا حباب). (البحار:52/217) .والتشويش في نص الرواية ظاهر ، وقد قال المجلسي رحمه الله بعد نقلها: (إعلم أن النسخة كانت سقيمة فأوردت الخبر كما وجدته) .وأمر سندها ومتنها قابل للمناقشة ، ولكن مهما يكن أمر صحتها فهي تتضمن أموراً عما يعانيه أهل العراق من حكم الجبابرة وبطشهم وردت في روايات أخرى بعضها صحيح ، وقد يكون الأحداث المذكورة فيها من هدم مسجد براثا ، وتفاقم الفساد في بغداد ، وتسلط قادة عسكريين عليها من جبال كردستان أو إيران وغيرها.. قد مرت وحدثت في القرون السابقة، ولكن الأحداث المتعلقة بالسفياني لم تحدث .قال الشيخ المفيد قدس سره : (قد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان قيام القائم المهدي عليه السلام ، وحوادث تكون أمام قيامه ، وآيات ودلالات: فمنها خروج السفياني ، وقتل الحسني ، واختلاف بني العباس في الملك الدنياوي ، وكسوف الشمس في النصف من رمضان ، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات ، وخسف بالبيداء ، وخسف بالمغرب ، وخسف بالمشرق ، وركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر ، وطلوعها من المغرب ، وقتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين ، وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ، وهدم حائط مسجد الكوفة ، وإقبال رايات سود من قبل خراسان ، وخروج اليماني ، وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات ، ونزول الترك الجزيرة ، ونزول الروم الرملة ، وطلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر ، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه ، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها، ونار تظهر بالمشرق طويلاً وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد ، وخروجها عن سلطان العجم ، وقتل أهل مصر أميرهم ، وخراب الشام ، واختلاف ثلاث رايات فيه . ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ، ورايات كندة إلى خراسان ، وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من المشرق نحوها ، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة ، وخروج ستين كذاباً كلهم يدعي النبوة ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه ، وإحراق رجل عظيم القدر من بني العباس بين جلولاء وخانقين ، وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام ، وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار ، وزلزلة حتى ينخسف كثير منها ، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد ، وموت ذريع فيه ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات ، وقلة ريع لما يزرعه الناس ، واختلاف صنفين من العجم وسفك دماء كثيرة فيما بينهم ، وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم ، ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير ، وغلبة العبيد على بلاد السادات ، ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض، كل أهل لغة بلغتهم ، ووجه وصدر يظهران للناس في عين الشمس ، وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون .ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة ، تتصل فتحيا بها الأرض بعد موتها ، وتعرف بركاتها ، ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السلام ، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته ، كما جاءت بذلك الأخبار .
وجملة من هذه الأحداث محتومة ، ومنها مشروطة . والله أعلم بما يكون ، وإنما ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول ، وتضمنها الأثر المنقول . وبالله نستعين . (الإرشاد للمفيد ص 336 والبحار:52/219-221 )
وما ذكره المفيد قدس سره تعدادٌ مجملٌ لعلامات الظهور البعيدة والقريبة ، ولايقصد أنها متسلسلة حسب ما عددها ، فمنها علامات قريبة لايفصلها عن ظهوره عليه السلام أكثر من أسبوعين ، مثل قتل النفس الزكية بين الركن والمقام . بل هو في الحقيقة جزء من حركة الظهور لأنه رسول المهدي عليه السلام .
ومنها ما يفصله عن ظهور المهدي عليه السلام قرون عديدة مثل اختلاف بني العباس فيما بينهم ، وظهور المغربي في مصر وتملكه الشامات في حركة الفاطميين .وقصده رحمه الله بالمحتوم والمشروط من هذه العلامات أن منها حتمي الوقوع على كل حال ، كما ورد في عدة علامات النص على حتميتها ، مثل السفياني واليماني وقتل النفس الزكية والنداء السماوي والخسف بجيش السفياني وغيرها . ومنها مشروط بأحداث أخرى في علم الله سبحانه ومقاديره ، والله الأمر من قبل ومن بعد فيها وفي غيرها .ويبدو أن المقصود بالحسني النفس الزكية في مكة ، أو الغلام الذي يقتله جيش السفياني في المدينة قرب ظهور المهدي عليه السلام ، وإن كان يحتمل أنه سيد حسني صاحب حركة الإسلامية في العراق ، فقد ورد في بعض الروايات (وتحرك الحسني) .أما ( قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين) فيحتمل بعضهم أن ينطبق على الشهيد الصدر قدس سره والذين استشهدوا معه حيث كان عددهم نحو سبعين رضوان الله عليهم . وظهر الكوفة هو النجف ، وتسمى أيضاً نجف الكوفة ، ونجفة الكوفة أي مرتفعها وجبلها .وقد وردت روايات في خيل المغرب التي تنزل في فناء الحيرة ، أي تستقر قرب الكوفة ، وأن هذا الحدث يكون في أيام السفياني أو قربه . ولكن الملفت في نص المفيد رحمه الله قوله: (وورود خيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة) ، فيحتمل أن تكون هذه القوات غربية تدخل العراق لمعاونة السفياني، أو تكون قبل السفياني .والمقصود برايات المشرق: الرايات السود الخراسانية التي تدخل مع قوات اليماني لمواجهة السفياني عندما يغزو العراق .أما بثق الفرات وفيضانه في الكوفة ، فقد ورد في الأحاديث أنه يكون في سنة الظهور ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (عام- أو سنة- الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل أزفة الكوفة) ( البحار:52/217) .
وشهادة الشيخ المفيد بأن هذه العلامات والأحداث ثبتت في الأصول الحديثية ، تعطي رواياتها قيمة كبيرة لدقته وجلالة قدره ، ولأنه أقرب إلى المصادر والتابعين والأئمة عليهم السلام فقد توفي رحمه الله سنة 413 هجرية .
كما تتحدث روايات أخرى عن العراق في فترة ما قبل السفياني:
منها ، ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام التي تقول: ( ثم يقع التدابر والاختلاف بين أمراء العرب والعجم ، فلا يزالون يختلفون إلى أن يصير الأمر إلى رجل من ولد أبي سفيان) ( الزام الناصب: 2/160 ).
ومنها ، رواية (تحرك الحسني) الذي توجد قرائن على أنه يكون في العراق ، والذي قد يكون قتله بعد حكمه .
ومنها ، ما يفهم منها استمرار حكم الجبابرة في العراق إلى ظهور المهدي عليه السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إذا هدم حائط مسجد الكوفة مؤخره مما يلي دار عبد الله بن مسعود فعند ذلك زوال ملك القوم (بني فلان) وعند زواله خروج القائم عليه السلام ) ( الإرشاد للمفيد ص360 ) وفي رواية غيبة الطوسي ص271 ( أما إن هادمه لايبنيه) يعني أن هادمه يقتل أو يذهب قبل أن يعيد بناءه .
كما تشير بعض روايات غزو السفياني للعراق إلى أنه يقاتل حكومة عدوة للاسلام والإمام المهدي عليه السلام ، كما ورد في رواية البحار:52/273: ( وأمير الناس يومئذ جبار عنيد يقال له الكاهن الساحر ) . هذا ماعندنا والله تعالى هو العالم بمجرى الامور